
بالنسبة إلى الأهداف الاستراتيجية للحربين، فإن كلتاهما هدفتا إلى تحقيق أمن إسرائيل وتوسيع نفوذها ونفوذ الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، من خلال إزالة ما تعتبره إسرائيل تهديداً «وجودياً» لها (تدمير القدرات النووية والصاروخية لإيران وإسقاط النظام، وتفكيك ترسانة حزب الله وإجباره على التراجع جنوب نهر الليطاني لإزالة «التهديد» عن مستوطنات الشمال)، ومن خلال تغيير وجه الشرق الأوسط وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية والاقتصادية فيه بعد تغيير ميزان القوى والتحالفات القائمة.
استمرت الحرب 12 يوماً فقط ، من 13 إلى 24 حزيران 2025، وكانت أهدافها المعلنة إنجاز المهمة، من دون تحديد سقف زمني.
اعتمد الأسلوب العملياتي الإسرائيلي على نظرية الحلقات الخمس، والتي تهدف إلى إحداث صدمة وشلل شامل في الدولة المستهدفة من خلال ضرب قيادتها، أنظمتها الاستراتيجية، بنيتها التحتية، سكانها، وقواتها الميدانية.
كان الهدف هو تدمير قدرات إيران النووية والصاروخية، بشكل أساسي، ولكن بعد مرور 12 يوماً على الحرب طلبت إسرائيل وقفها، ويُعزى طلب إسرائيل هذا إلى مجموعة من العوامل الحاسمة التي أظهرت فشل العملية في تحقيق أهدافها. فشلت إسرائيل في تحقيق الأهداف الاستراتيجية في الضربة الافتتاحية، في قطع رأس القيادة الإيرانية، وبالتالي فشلت في استثمار «عقيدة الصدمة و الترويع».
على عكس التوقعات الإسرائيلية، صمد النظام في إيران ولم يتزعزع حيث أظهر الشعب الإيراني تماسكاً كبيراً والتفّ حول قيادته السياسية والعسكرية. كما فشل كيان العدو، بشكل واضح، في تدمير القدرات النووية والصاروخية الإيرانية، بشكل فاعل أو مؤثر، ما أبقى التهديد له قائماً، خصوصاً بعد نجاح إيران في تحييد كميات اليورانيوم عالية التخصيب في مكان آمن، ما دفع إسرائيل إلى التخطيط لجولة ثانية من العدوان.
يُضاف إلى أسباب المطالبة الإسرائيلية بوقف الحرب، الرد الإيراني النوعي والعقابي، حيث نجحت إيران، بعد استيعاب الصدمة، في نقل الحرب إلى عمق إسرائيل، وبشكل غير تقليدي، مستهدفة حوالي 30 هدفاً استراتيجياً، بشكل دقيق ومكثّف.
وشملت الأهداف منشآت حيوية مثل قاعدة الكرياه (مقر وزارة الدفاع و القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي)، بالإضافة إلى معهد وايزمان للأبحاث الاستراتيجية ومحطات الكهرباء والنفط في حيفا وأشدود وقواعد عسكرية ومقار استخباراتية رئيسية والبورصة، ما أحدث دماراً بنيوياً واسعاً.
كما كان الرد الإيراني ناجحاً في تجاوز قواعد الاشتباك المعتادة، ووصل إلى استهداف قواعد أميركية حيوية مثل قاعدة العديد في قطر، ما أوصل رسالة واضحة بمدى التداعيات الإقليمية والدولية لأي تصعيد.
إن خسائر إسرائيل كانت صعبة الاحتمال، بسبب تعطيل الاقتصاد اليومي وانهيار البورصة وكلفة التعويضات المرتفعة، إلى جانب فشل منظومة الدفاع الإسرائيلية المتعددة الطبقات في اعتراض الصواريخ الإيرانية، وقد أحدث نفاذها إجهاداً تشغيلياً كبيراً وكشف هشاشة الجبهة الداخلية لإسرائيل التي فقدت، بذلك، معادلتي الردع والدفاع، الأمر الذي جعل استمرار الحرب، وقتاً أطول، محفوفاً بمخاطر وجودية في ظل مخاوف من تحوّلها إلى حرب استنزاف مدمرة.
استمرت الحرب على لبنان 72 يوماً، من 17 أيلول حتى 27 تشرين الثاني 2024. كان الهدف المعلن هو إبعاد حزب الله عن الحدود وتدمير قدراته العسكرية واستعادة الردع. وقد اعتمدت إسرائيل أسلوب «الحرب المتدحرجة»، حيث تصاعدت العمليات العسكرية بشكل منهجي ومدروس.
وعلى الرغم من طول أمد الحرب، كانت أسباب وقفها مختلفة، نسبياً، عن أسباب وقف الحرب على إيران، لجهة أن إسرائيل حققت بعضاً من أهدافها.
ففي الضربة الافتتاحيّة حققت إسرائيل نجاحاً من خلال الاغتيالات التي استهدفت قادة بارزون في حزب الله، وعلى رأسهم الأمين العام، بالإضافة إلى تدمير منظومة الاتصالات والكثير من مخازن الأسلحة. كما نجحت، نسبياً، في ما بعد، في تدمير البنية القتالية في قرى الحدود، وإقامة منطقة عازلة، ما أبقى على تهديد حزب الله بعيداً عن مستوطنات الشمال، وإن بشكل مؤقت.
لقد تمكنت إسرائيل من التحكّم بسقف التصعيد ومدياته، مستفيدة من حرص حزب الله على عدم توسيع الحرب، بشكل كامل، في البداية.
من الأسباب التي دفعت إسرائيل إلى طلب وقف الحرب على الجبهة اللبنانية، على الرغم من النجاحات الأوليّة، هو فشل المناورة البرية في تحقيق أهدافها ومواجهتها لمقاومة عنيفة و صامدة في «معركة أولي البأس»، وتكبّدها خسائر بشرية ومادية كبيرة. هذا الفشل أظهر أن التوغّل البري في لبنان سيكون مُكلفاً جداً.
إلى جانب ذلك ، فإن حصول كيان العدو على تفاهمات سريّة مع الولايات المتحدة الأميركية، ضمنت لها «حرية الحركة» و«استباحة» الأراضي اللبنانية، بعد وقف إطلاق النار، بهدف منع التعافي سهّل للكيان خروجاً من الحرب سمح له باستكمال أهدافه من الحرب بأساليب أخرى، مثل استمرار الاغتيالات وعمليات النسف والإغارة.
الفارق الجوهري بين الحربين يكمن في طبيعة الرد العسكري من قبل كل طرف، وفي الوضع السياسي الداخلي والخارجي لكل منهما. فالرد الإيراني، (خلال 12يوماً)، كان «عقابياً واستراتيجياً». إيران، كونها دولة ذات سيادة ومقدرات عميقة، كانت لديها القدرة على استيعاب الصدمة الأولية والانتقال، مباشرة، إلى المبادرة بضربات «إغراقية» دقيقة على عمق إسرائيل. هذه الضربات أحدثت خسائر بنيوية غير محتملة للعدو، وأفقدته معادلتي الردع والدفاع، ما أجبره على إنهاء الحرب، سريعاً ومن دون تحقيق أي مكاسب، بينما جاء الرد اللبناني (72 يوماً) «تكتيكياً». وعلى الرغم من تكبيد المقاومة العدو خسائر كبيرة وإفشال مناورته البرية، إلا أن ضرباتها لم تكن بنفس النوعية الاستراتيجية التي أحدثتها إيران في عمق العدو.
هذه العوامل أتاحت لإسرائيل هامشاً للاستمرار في الحرب لتحقيق أهدافها، خاصة مع امتلاكها غطاء سياسياً أميركياً، وتفاهمات مكنتها من مواصلة الضغط بعد توقف القتال.
وفي الخلاصة، فإن الدرس المستفاد هو أن الصمود وحده لا يكفي، بل يجب أن ترافقه القدرة على إيلام العدو بضربات استراتيجية موجعة تجعل استمرار الحرب غير مجدٍ له. كما أن امتلاك المشروعية القانونية ووجود جبهة داخلية موحدة عوامل مساعدة حاسمة في إدارة أي حرب مع العدو الإسرائيلي، وهو ما كان حاضراً في الحالة الإيرانية وغائباً في الحالة اللبنانية إلى حد كبير.